لزام علينا أن نتأمل سر الإبداع الهومري في السرد الملحمي؛ إذا لا يحفل هوميروس بأن يحكي ملحمته "الإلياذة" ما حدث فقط، ولكنه يحفل أكثر بتقديم كنة ما حدث وتصوير العالم الذي وقع فيه هذا الحدث. فنجد الأحداث تغطي الكون من فوق جبل الأوليمبوس -السماء- الثلجية إلى أعماق البحر الهائج والغابات المحترقة، بل وأعماق النفس الإنسانية ذاتها في كافة أحوالها من السراء والضراء.
وتغطي الأحداث كذلك الآلهة والبشر ومملكة الحيوان والطير. فنحن إذا إزاء تصوير لحالة وجودية كونية لا حدث فردي عابر. نحن إزاء نظام متكامل تتفاعل فيه كل السمات ومختلف مقومات الأحياء والأشياء، بحيث نحصل في النهاية على استكشاف شعري للكون ونظام عمله.