يحدثُ أن تنسلّ إلى أعماقك قصّةٌ، فتهزّك بعنفٍ وتتحدّاك أن تُعرض عنها. هذا بالضبط ما حدث لي مع قصّة العندليب. والحقيقةُ أنّي فعلتُ كلّ ما في وسعي كي لا أكتب هذه الرواية، غير أنّ بحثي في موضوع الحرب العالميّة الثانية قادني إلى حكاية الشابّة التي صنعتْ طريق الهروب من فرنسا المحتلّة، فلم أستطع الفكاك منها. هكذا أصبحتْ قصّتها نقطةَ البداية، وهي في حقيقتها قصّةُ بطولةٍ، ومخاطرةٍ، وشجاعةٍ جامحة. لم أستطع صرفَ نفسي عنها؛ فظللتُ أنقّب، وأستكشف، وأقرأ، حتّى هَدَتْني هذه القصّة إلى قصصٍ أُخرى لا تقلّ عنها إدهاشاً. كان من المستحيل أنْ أتجاهل تلك القصص. هكذا ألفيتُ نفسي تحت وطأة سؤال واحدٍ يسكنني، سؤال يظلُّ اليومَ قائماً كما كان قبل سبعين عاماً: تحتَ أيِّ ظرف يمكن أنْ أخاطر بحياتي زوجةً وأمّاً؟ والأهمّ من ذلك، تحت أيِّ ظرف يمكن أن أخاطر بحياة طفلي لأنقذ شخصاً غريباً؟ يحتلُّ هذا السؤال موضعاً رئيساً في رواية العندليب. ففي الحبّ نكتشف من نريد أن نكون؛ أمّا في الحرب، فنكتشف من نكون. ولعلّنا في بعض الأحيان لا نريد أن نعرف ما يمكن أنْ نفعله كي ننجو بحياتنا. في الحرب، كانت قصص النساء دوماً عرضةً للتجاهل والنسيان. فعادةً ما تعود النساء من ساحات المعارك إلى بيوتهنّ ولا يقلنَ شيئاً، ثمّ يمضينَ في حياتهنّ. العندليبُ إذن روايةٌ عن أولئك النساء، والخيارات الجريئة التي اتخذْنَها كي ينقذنَ أطفالهنّ، ويحافظنَ على نمط الحياة الذي اعتدْنه. كرِسْتِن هانا