هي ذاكرةٌ عجيبة، ذاكرةُ طفلةٍ أتت بها جدّتها إلى بيتها في جزيرة مايوركا، بسبب وفاة أمّها ومرض مربّيتها وانشغال أبيها. ففاجأتها الحرب ذات عطلة وهي في الرابعة عشرة. فتسجِّل في ذاكرتها كلّ ما تشاهده بدقّة، من أشجار وصخور وبحر وهواء وأضواء وألوان وأحداث وأصداء الحرب البعيدة والقريبة في آن واحد، والجبن والخيانة والغدر؛ وتسجّل مشاعر الحقد والانتقام والخوف والحب، حبّها الأوّل الخالي من الشهوة لغياب الغريزة، فهي لمّا تصبح امرأة، وما تزال تلعب بالدمى، دميتها غوروغو الأسود، منظّف المداخن الذي جاءت به من بعيد، من إحدى قصص أندرسن. فتختلط الأزمنة بعضها ببعض، وتستدعي اللحظةُ الحاضرة اللحظةَ الماضية القريبة والبعيدة، وقد تكون هذه الأخيرة أطول من اللحظة الأولى لأنها أخذت مكانها في الذاكرة واستقرّت، ولذا تكثر الأقواس والمزدوجات والتفاصيل الغزيرة من غير أن يشعر المرء بالملل. لأن ذلك كلّه مكتوبٌ بلغة رفيعة، وأسلوب كاتبة من الطراز الأوّل، هي: آنا ماريا ماتوتِه.
حازت رواية "الذاكرة الأولى" على جائزة نادال عام 1959، وهي من أعرق الجوائز الأدبية في إسبانيا وأكثرها شهرة.