ولماذا الشعر الآن؟!
نحن نعيش في عصر الخيانات، والمؤامرات، والاغتيالات. نلهث عبر أربع وعشرين ساعةً مزدحمةً قاتلةً في إطارٍ من الزمن الممطوط المهمل الذي لا يعطي أيّة أهميّةٍ لحياتنا كلّها. نعيش دوّاماتٍ، ومتاهاتٍ، واستلابات. نعيش القهر، والخوف، والجوع. فلماذا الشعر الآن؟!
من الذي لديه الوقت للشعر؟ من الذي لديه الوقت لكتابة الشعر؟! ومن الذي لديه الوقت لتلقّي الشعر؟!
يشاغب الشعر على الخيانة، والمؤامرة، والقتل، أو يشاغب على التفاهة، والسطحيّة، والشعوذة. والشعر إن لم يقل: "لا" على نحوٍ صارخٍ، وصاخبٍ، وجارحٍ، فإنّه لا يقبل أن يقول: "نعم" حتّى بقطع رأسه.
هو ذلك الشيء الإيجابي العظيم. هو ما يؤكّد لنا أنّنا نبكي لأنّنا لم نعتَد الذلّ بعد، ولم نقبله، وأنّنا ننزف لأنّنا لم نمت، وأنّنا نغضب لأنّنا لم نتأقلم مع الظلم. إنّه ينبّهنا إلى ما كدنا أن ننساه، ويذكّرنا بأنّنا بشر، وأنّنا أكبر وأعظم من يوميّاتنا.
نحن بشر. لا بدّ من أن نتذكّر هذا دائماً، ولا بدّ من أن يذكّرنا الشعر بهذا دائماً.
نحن أكبر من الربح والخسارة، وأكبر من القبول والاستسلام، أو الخبث والمراوغة.
لذا لا بدّ من الشعر.
ولذا لا بدّ من الشاعر.
هل ظل من الممكن إضافة شيء حول المتنبي، مالئ الدنيا وشاغل الناس، طيلة هذه القرون التي امتدت من ولادته حتى الآن؟!.. وهل ظل جانب منه لم يدرس ويُمحَّص ويُقلَّب على أكثر من وجه، ولم يخضع للنقاش والأخذ والرد بين محبي هذا الشاعر العظيم وبين منتقديه وكارهيه؟!..
إن المتنبي شخصية فذة في تراثنا الأدبي. ومحبوه وقرَّاؤه وحفظة أشعاره أكثر من يتم إحصاؤهم، وأكثر خطورة من أن يتم الاشتباك معهم دون تحضير واستعداد مسبقين. فهم على معرفة واسعة بشعره وبالكثير من مراحل حياته وتفاصيلها. وحميّتهم في الدفاع عنه أو في مهاجمته لا تقاس. وبالتالي فالصورة المسبقة عنه أكثر إلزاماً. والصورة المتخيلة عنه، التي رسموها له، أكثر التصاقاً بالمخيلة من أن تتم مناقشتها. وعلاقته بـالهوية القومية أكثر تجذراً وخطورة. وهذا ما يجعل التطاول عليه، بالنسبة للكثيرين، تطاولاً على واحد من «قيم الأمة ورموزها».
ولكنني أكتب عن المتنبي بعد أن اشتغلت عامين كاملين في قراءته وتحليل شعره ودراسة تفاصيل حياته من أجل كتابة مسلسل تلفزيوني عنه. والكتابة الدرامية تفرض على صاحبها أن يتغلغل ما استطاع في نفوس أبطاله لكي يفهمهم، وأن يتخيلهم في الحالات التي يمكن أن يكون فيها البشر، وأن يرسم ردود أفعالهم، بالمنطق الدرامي، كما يمكن أن تكون عليه ردود فعل البشر. وذلك كله ضمن إطار المعلومة التاريخية الموثقة.
أعني: إذا كان الأمر كذلك، فكم فقدنا من كرامتنا وتضامننا الانساني واحساسنا بانسانيتنا حتى صرنا نتعود الاذلال المحيط بنا، لنا ولغيرها؟! وحتى صرنا نقبل هذا العنف والتعامل غير الانساني الذي نعامل نحن به او يعامل به غيرها على مرأى منا في الحياة او حين نقرأ عنه او نراه على شاشات التلفزيون. (وسنتجاهل اننا نحن نعامل غيرنا احيانا بهذه الطريقة: اولادنا او مرؤوسينا او الذين يقعون بين ايدينا من اعدائنا مثلا، او السجناء الذين بين ايدينا، مفترضا ان بعض من يقومون بهذه المهمات يمكن ان يقرؤوا ما اكتب).
وينعكس تعودنا على هذا الاذلال في اننا صرنا نتعد ان تعذيب السجين امر مفروغ منه. لم نعد نتساءل عن اثر ذلك التعذيب في السجين الضحية، حتى بعد خروجه من السجن، كما اننا لم نعد نتساءل عن اثر التعذيب في منفذه. وهل يستطيع بسهولة ان يعود الى حياته اليومية العادية بعد خروجه من غرفة التعذيب، كما لو انه خرج من المرحاض لكي يستأنف حياته.
وهذه هي اول مرة اجمع بها افكاري حول هذا الموضوع بعد محاولات عديدة ومقالات مبعثرة في اكثر من مكان.
بعد تجربة كتابي السابق "دفاعاً عن الجنون" خطر لي أن أعيدالكرة. والمسألة باختصار هي أنني أنتقي من الأشياء التي سبق لي أن نشرتها في دوريات أو مقدمات لكتب، ما ارى أنه صالح بعد أوانه.
وهذا الكتاب ليس تكملة للكتاب السابق، بل هو نسج على منواله.
إنه يحتوي على آراء لي في الفن والثقافة والصحافة والمرأة (وبعض السياسة). والسؤال الذي واجهني في كتابي الأول يواجهني الآن: ما الذي يجمع بين هذه المقالات؟
والجواب بالسذاجة التي أجبت عليه في ما سبق: الذي يجمع بين هذه المقالات هو أنني أنا كتبتها.
فالآراء هنا خي آرائي، التي قد تعني بعضهم، وقد لا تعني شيئاً للبعض الآخر. ولكن كان يعنيني، أنا، أن أقول هذه الآراء، وأن أسجلها، وبينها توديع لأشهاص مثل عاصي الرحباني والظاهرة الرحباني، حتى توديع عدد من الأصدقاء الذين رحلوا، والذين مروا في حياتي مروراً ليس عابراً. ولعل شيئاً من المرارة ما زال قائماً هنا أيضاً. فلدى مراجعة المقالات اكتشفت أنني أصر مرة أخرى، على الخسارات التي ألمت بحياتنا. وهي خسارات أكبر من الهزائم العسكرية أو السياسية. إنه نزيفنا الإنساني المستمر. والذي يحيوننا... أو يجننا.
كان لدى الإنسان حلم جميل حول نفسه، وكان يصبو إلى السمو على شرطه الإنساني، ولكن تتالي الظروف فتح في هذا الحلم، جرحاً. وبدأ الحلم ينزف ويضمحل. وراح يتخذ، مع ضموره، أشكالاً وتسميات بين حين وآخر ينتبه الإنسان إلى خسارته الفاجعة، هذه، فيدرك أنه صار يجهد لمنع نفسه من الإنحدار عن مستواه الإنساني إلى مستوى الحيوان، وحين يقاوم تتخذ مقاومته شكلاً من أشكال الجنون، وفي هذا الكتاب محاولة لتلمس شيء من هذا النزيف وفي إطار التعبير الإبداعي بشكل خاص. ولعل هذه (المقدمات) أن تكون (مقدمة) لبحث، أو أبحاث، أكثر شمولاً، ولكننا الآم في مرحلة الدفاع عن حقنا في الجنون.
لم يعد من الضروري الوقوف عند الصورة التي كتبها سرفانتس. هناك فرق كبير بين دون كيشوت الذي كتبه لكي يسخر منه، أو لأي هدف آخر، وبين دون كيشوت الذي صار ملكنا، وحملناه في مخيلتنا، وأخضعناه لتصوراتنا، وصرنا أحراراً في أن نعيد صنعه وصياغته كما نشاء.
ويمكننا القول إن لكل منا دون كيشوته الخاص به سواء كان قد قرأ الرواية أم لم يقرأها، وسواء اعتمد على الصورة التي في الكتاب أم لم يعتمد. وسواء اعتمد على تفسيره الخاص لما في الكتاب، أم أسقط على الكتاب ما يريده.
إن الوجوه المتعددة التي لشخصية مثل دون كيشوت تمنحنا الحرية والشجاعة للتعبير عن رؤيتنا الخاصة به. وبالتالي فإن كلاً منا قادر على أن يتحدث عن دون كيشوت الذي رآه في الكتاب، أو دون كيشوت الذي يربيه هو في مخيلته الرمزية والإبداعية.
فدون كيشوت موجود في كل مكان، وموجود في كل منا. والرؤية الدونكيشوتية هي تلك التي لا تعطي صاحبها الفرصة للتراجع. لا بد من الوقفة التي تبدو انتحارية أو جنونية. فالتراجع للبحث عن فرصة جديدة تعني التغاضي عن الانهيار الذي حدث للبشر وللقيم. ويعني كأن المرء يتغاضى عن التردي. إنه نوع من معاقبة النفس لإحياء ضمائر الآخرين.
ونستطيع أن نقول بصورة عامة لا بد من وجود وقفة دون كيشوتية دائماً لكيلا يموت الشرف في الحياة ذاتها.
ومن أجل هذا خطر لي ذات يوم أن أدافع عن الجنون.
تحكي الرواية أحداث وتفاصيل فترة الحكم العثماني لحظة انهياره . وكذلك أصداء التحول الخطير على أبواب الحرب العالمية الأولى . والأبطال هم جمال باشا وعشيقته اليهودية سارة وحولهما رجال أجلاف وجواسيس وضباط مغامرون وجنود هائمون على وجوههم يسعون إلى دفع العرب الذين يعيشون مرارة نوستالجيا الماضي ، إلى خارج أرضهم وتاريخهم وعصرهم
كان الأساس من ھذه الدراسة أن تكون مقدمة لكتاب تلفیق
تاریخ اسرئیل التوراتیة الذي قام المؤلف بترجمتھ.
لكن لتشعب الموضوع تم توسیع ھذه المقدمة لتكون دراسة
منفصلة تتحدث عن التأثیر الإسرائیلي في صیاغة التاریخ،
وخاصة تاریخ منطقة
الجدل الذي دار على صفحات الصحف والمجلات والندوات التلفزيونية حول مسلسل الزير سالم نقل هذا المسلسل من كونه مادة ترفيهية تنتهي عند (يعجبني أو لا يعجبني)، إلى كونه مادة ثقافية يحتاج نقاشها إلى مرجعية معرفية.
كانت النهاية التي انتهى إليها الزير سالم في المسلسل من أكثر الموضوعات المثيرة للجدل. فالسيرة الشعبية تنتهي عند انتصار الزير وتمكن الجرو من قتل خاله جساس وإذلال بني بكر. لكن التاريخ لا يتوقف عند المزاج الشعبي التي تتفاعل معه السيرة.
الناس يدافعون عن الصورة النمطية التي في أذهانهم عن البطل. والحقيقة التاريخية تخرب هذه الصورة وتشوهها. ولذلك فإن إنكار هذه الحقيقة أسهل عليهم من تقبلها. ويأتي الإنكار إما من خلال اتهامنا بالتزوير، أو بالتحريف من أجل الإسقاط، أو بالجهل بالتاريخ أو بالسيرة. ناهيك عن الاتهام بمعاداة الأمة وتشويه صور أبطالها.
هذا كله ولّد لنا فرصة لمناقشة جدية حول الدراما وعلاقتها بالتاريخ وبالسيرة الشعبية، من خلال الرد على بعض الطروحات، لعل هذه المناقشة تعود بفائدة ما على القارئ، وتلقي الضوء على بعض الالتباسات التي حدثت.
مرت سنوات على غيابه وكان لدى ممدوح عدوان المزيد.لكن الموت لم يعد كربماً معه.
مالم ينشر من قبل.نجمعه اليوم في هذا الكتاب .
ترك ممدوح عدوان في كومبيوتره ملفا يحوي على قصائد مكتملة وكان قد جهزها للنشر.وقصائد أخرى أسماها قصائد ناقصة .
لم يضع ممدوح عنوانا للملف. ولكن تركه تحت اسم (شغل شاعر).
(قفزة في الهواء) هو عنوان كتاب كان ممدوح عدوان قد أعده للنشر.
ولكن الموت زاحمه على تكملة هذا الديوان . ولذلك قررنا في دار ممدوح عدوان أن نجمع القصائد التي أراد نشرها ونضيف اليها يعضا من القصائد الناقصة. لنقدم للقارئ بعضا من قصائده المكتملة التي لم تنشر وقصائد أخرى لم يكملها ولكنها مفتوحة على احتمال الامتلاء.
هل ظل من الممكن إضافة شيء حول المتنبي، مالئ الدنيا وشاغل الناس، طيلة هذه القرون التي امتدت من ولادته حتى الآن؟!.. وهل ظل جانب منه لم يدرس ويُمحَّص ويُقلَّب على أكثر من وجه، ولم يخضع للنقاش والأخذ والرد بين محبي هذا الشاعر العظيم وبين منتقديه وكارهيه؟!.. إن المتنبي شخصية فذة في تراثنا الأدبي. ومحبوه وقرَّاؤه وحفظة أشعاره أكثر من يتم إحصاؤهم، وأكثر خطورة من أن يتم الاشتباك معهم دون تحضير واستعداد مسبقين. فهم على معرفة واسعة بشعره وبالكثير من مراحل حياته وتفاصيلها. وحميّتهم في الدفاع عنه أو في مهاجمته لا تقاس. وبالتالي فالصورة المسبقة عنه أكثر إلزاماً. والصورة المتخيلة عنه، التي رسموها له، أكثر التصاقاً بالمخيلة من أن تتم مناقشتها. وعلاقته بـالهوية القومية أكثر تجذراً وخطورة. وهذا ما يجعل التطاول عليه، بالنسبة للكثيرين، تطاولاً على واحد من «قيم الأمة ورموزها». ولكنني أكتب عن المتنبي بعد أن اشتغلت عامين كاملين في قراءته وتحليل شعره ودراسة تفاصيل حياته من أجل كتابة مسلسل تلفزيوني عنه. والكتابة الدرامية تفرض على صاحبها أن يتغلغل ما استطاع في نفوس أبطاله لكي يفهمهم، وأن يتخيلهم في الحالات التي يمكن أن يكون فيها البشر، وأن يرسم ردود أفعالهم، بالمنطق الدرامي، كما يمكن أن تكون عليه ردود فعل البشر. وذلك كله ضمن إطار المعلومة التاريخية الموثقة.