بدأت في كتابة هذه الرواية، وبدأت الرواية تكتبني في سطور. قد أكون أنا غير الذي جاء في هذه الرواية، وقد تكون الرواية جاءت من خارج حدود الزمن المعاصر، ولكنها في الحقيقة جاءت، ورسمت أشخاصاً وأحداثاً، وتوالت أحداثها على غير ما كنت أريد الكتابة عنه. فربما تكون هذه الأحداث قد طرأت في فترة زمنية ما، وفي قرية معينة، وربما لم أكن قد شاهدت مثل هذه الأعاصير، لكنها حقيقة، قد تحدث في زمن زمكان معينين، وبالأحرى تكون حادثة معاصرة لكنها بصورة أخرى، ترتدي ثوباً يتلائم مع هيكل العصر الذي نحن فيه، فنحن في زمان تتعدد فيه الأسباب وأساليب التقنية، وتختلف فيه من يوم لآخر نماذج الدراسات الإنسانية بهدف تحقيق غايات الإنسان، وإصابة أهدافه المتعددة والمختلفة. كل هذا يحدث، ويحدث في كل زمان ومكان، طالما بقي الإنسان، وتنامت نزواته وطموحاته اللامحدودة، ويحدث أيضاً في لحظات الخروج عن الذات الواعية والانغماس في وحل الحيوانية الجاهمة.
فيكون الليل، ويكون الزلزال، ويكون الإعصار، ويكون الموت، رغم الإنارة الكاشفة، وأشعة الضوء الساطعة، ومكبرات الصوت والضوء العصرية..
"الإنسان الحيوان" يخرج شاهراً سيف الدمر، ممتطياً فرس النار في ساعة خروج الذات الواعية من ذاتها وانسلاخها من أصل التكوين، فيكون الكائن الإنساني كما كان في أول تكوينه، وتكون الغريزة جوهر هذا التكوين، ويكون التردي قطر هذا الكائن.