في "صداقة مع ابن شقيق فيتغنشتاين"، الذي يُعتبر الأكثر عذوبة ودفئاً إنسانياً من بين كل ما كتبه برنهارد، يتحدث الكاتب عن علاقته بباول، ابن شقيق الفيلسوف المشهور لودفيغ فيتغنشتاين، وكانت أواصر الصداقة قد جمعت بين الاثنين عندما كان الكاتب يُعالَج في مصحة لأمراض الرئة، بينما كان باول نزيلاً على بعد خطوات منه في مستشفى الأمراض العقلية.
في نَفَسٍ سردي لا ينقطع يصف الكاتب النمساوي السنوات الأخيرة من عمر صديقه، التي تعكس أيضاً جزءاً من السيرة الذاتية لتوماس برنهارد، وتأملاته حول الحياة والموت، والأدب والفن، والعقل والجنون.
مع كلّ مترٍ كان رودي يتجاوزه، كانت مقاومته لتأثير كلام العرّاف تشتدّ أكثر، ولكن في الوقت نفسه كان كلام العرّاف يترسخ في نفسه وعقله أكثر. ومع أنه لم يعترف بذلك، إلا أن كلام العرّاف كان قد سيطر عليه بشكل كلّي. "فعلاً، أيّ معرفة ندعيها نحن سكان حبة الغبار الحقيرة التي تسمّى الأرض هذه لكي نقول هذا ممكن وهذا غير ممكن؟ لو كنّا مجرد كائنات غير عاقلة لقلنا إننا خُلقنا نتيجة تفاعلات معينة بين عناصر كيميائية مختلفة كالفطر والطحالب وغيرها، ولكن الروح من أين تأتي وإلى أين تذهب؟ والعقل والأحاسيس؟ من المستحيل أن تشعر عظمة أو عضلة في جسدي بالحب أو الحقد أو أن تفكر وتتخذ قراراً. إن كل ذلك تحمله طاقة ما تسكن جسدي، طاقة أقوى وأكبر مني، إنها حتى لا تبوح لي من تكون ولا ممَّ تتشكل. يا إلهي! أنا مجرد بطارية نافقة لهذه الطاقة، يا لي من خردة لا قيمة لها! ولكن لماذا عليَّ أن أسلّم بأن كلام العرّاف هو الصحيح؟ إنه هو الآخر مجرّد خردة مثلي". كانت هذه الأفكار تتصارع داخل رودي، ولم يكن هو يعرف أي فكرة منها كانت تنتصر على الأخرى
"قبل هذا الكتاب، كان العشاق العذريون في تصورنا أنقياء كالملائكة، معصومين كالقديسين. ويأتي صادق جلال العظم في هذا الكتاب ليمزق القناع عن وجوه العشاق العذريين، وليكشف بالمنطق والفكر الفلسفي العميق، أنهم كانوا في حقيقتهم نرجسيين وشهوانيين..." نزار قباني
في الليلة التي يجهز فيها زوجها وأولادها أنفسهم للسفر، تبدأ أعراض اضطراب نفسي بالظهور على ميعاد، المصورة الفوتوغرافية والمسؤولة عن أرشيف إحدى الجرائد. اضطراب يجعلها ترى جميع الوجوه وجهاً واحداً، هو وجه إله اغريقي ملتحٍ، وشيئاً فشيئاً، مع تفاقم الاضطراب، تتكشف تفاصيل الأحداث الحاضرة والماضية التي قادتها إلى المتاهة الاجتماعية شديدة التعقيد التي تواجهها. في سرد يكتنفه الغموض، تدمج الكاتبة الخيال مع التراث والأسطورة والفانتازيا والتاريخ، لتصنع من ذلك كلّه نصاً روائياً محكماً، يناقش أسئلة وجودية وفلسفية كبيرة: ما دور الآخر مقابل الأنا؟ ماذا لو كان الجحيم أنا؟ ماذا لو وُجد العالم داخل كينونة فرد واحد فقط وكل ما عداه وهم؟
في مزرعة الحيوان يصدّق الحصان (بوكسر) كل ما يقال له، ويعمل بدأب ليل نهار. تعبّد هذه السذاجة الخالصة الدرب للأشرار كي حكموا عالمنا. السذاجة ليست معصومة. على السذاجة أن تترافق مع الذكاء والمعرفة والحذر والتبصر. هذه هي الحكمة. كي تكون حكيماً عليك أن تعرف الشر وتراه بوضوح وعليك أيضاً أن تكون ساذجاً بما يكفي كي تؤمن بقدرتك على مقاومته. عبر مجموعته القصصية يسعى عدي الزعبي إلى طرح تساؤل حول حدود الحكمة، وعلاقتها مع السذاجة، السذاجة الحمقاء غير الحكيمة، والحكمة الشريرة غير الساذجة، تكادان تسودان عالمنا لتنشرا الحيرة والعتمة وتجعل العالم خليطاً مبهماً خطراً من الأشياء والأفكار والحكايا.
بعد عشرين عاماً من العمل ينهي "سالم" خدمته في خيالة الدرك، ويعود إلى بيته وأسرته في دير القرن، جالباً معه الرفيق الوحيد الذي ظل معه كل تلك السنوات: حصانه. تتباين مشاعر أفراد الأسرة نحو هذا الضيف الذي سيصبح الآن جزءاً من العائلة. تدور سلاسل الحكي بين الأبناء الخمسة والأم، وفيما هي تدور تنسج حكايات، وتبني عوالم. في روايته هذه، يكتب "ممدوح عزام"، بأسلوب جديدٍ ومختلف عن رواياته السابقة، حكاية عن عائلةٍ بسيطة تعيش طمأنينتها وخوفها، تسليمها ورفضها، سلامها وصراعاتها، لتحرّك في دواخلنا تساؤلات وتأملات لا تنتهي، فيما الحرية تكتب بمعناها الفسيح فصل النهاية.
يزور "سلمان" المدن الميتة لينجز عنها فيلماً توثيقياً، تلك المدن التي كانت رمزاً للحضارات القديمة، قبل أن تصبح مدن الأعمدة المحطمة وبقايا الحجر. ولكنه يجد هناك، في بيت واحد من كبار المدينة، لوحة لغزال جريح، تحمل توقيع أمه "فاطمة". ولا يلبث أن يقدم له صاحب البيت سيناريوهات محتملة لفيلمه، كلها تدور حول "فاطمة" فيجد نفسه وقد دخل عالماً سحرياً ومتاهة محيرة وهو يتلصص على الوجوه الخفية لأمه، مدركاً أنهلم يكن يعرف إلا وجهاً واحداً لها.
في روايته هذه يتلاعب خيري الذهبي بالأزمنة، وبتعدد الأصوات، ليكتب عن المدن الميتة، وعن فاطمة بمراياها المتعددة، فمن هي؟ وما هي حقيقتها؟ وما سر التمني؟ "لو لم يكن اسمها فاطمة"؟
يخالف رئيس البلاد أثناء خطبة له، تعليمات المحيطين به من كبار النظام، التي تنص على ألا يأتي بأي فعل أو قول غير ما خططوه له، وعلى إثر ذلك يبدؤون العمل لإنهاء مهمته، ووضع شبيه جديد مكانه من الاثني عشر شبيهاً الذين يدربونهم على كل شيء يخص الرئيس الحقيقي، ولكن ثمة من يخطط لانقلاب على هذا الوضع فماذا سيكون مصيره؟
في هذا العمل الذي يتمتع بدرجة عالية من المعاصرة والراهنية، يعيد الكاتب الألماني صياغة التاريخ لينطبق على عديد من البلدان الآن، مصورًا ببراعة كيف يتحول كثير من الناس في أثناء فترات الطغيان إلى أدوات طيّعة، إلى ماكينات ودمى متحركة. "فالعصيان مرض يؤدي في بلادنا إلى الموت، مرض آخذ في الاندثار."
فتاة تدخل ديراَ للراهبات مع صندوق وفستان زفاف، وامرأة تتّبع متشردة ترتدي ثوباً أخضر في شوارع المدينة، وثالثة تتغير حياتها، بعد زيارة مدفن عائلة زوجها، ولا تنفك تبحث لنفسها، عن "مكان" ورابعة تائهة في عالمٍ أواجه رمادية وبنية وبنفسجية، تطفو فوقها خشبة نجاتها، وخامسة تزور مع زوجها "اسطنبول" وتقيم في الفندق ذاته، حيث أقامت آغاثا كريستي ذات يوم، فتتقاطع حياة الاثنتين بطريقة غامضة.
هؤلاء النسوة الخمس، هن بطلات كريستينا فرناندث كوباس التي تروي فيخيّم علينا سحر خاص، يغوينا، يثير غضبنا، يملؤنا بصور ومشاعر وأوصاف وأخيلة، لا نملك أمامها إلى الذهول، بقدرة كاتبتها، على خلق أجواء حًلمية بأسلوب أدبي متفرد.
منذ أن عثر على عظامٍ محروقة في تلّ المكراب، والحظّ العاثر يرافق "مهدي"، إذ تتوالى عليه المصائب، كما يظنّ، لكنّ رئيس فريق التنقيب المصري له رأي آخر، ولهذا يستعين به في البحث عن الآثار، وسريعاً ما يصدُق حدسه، ويعثرون على الكنز الذي تتحدث عنه حكايات الشيوخ القديمة. لكنّ الحظّ العاثر يتدخل من جديد ويودي بصاحبه إلى السجن، فهل سينجو؟ وما علاقة النبوءة القديمة به؟ ومن هي "خليلة" التي سيلقاها فيغيّر كلٌّ منهما مصير الآخر؟
بسردٍ مشوّق ينتقل "بسام شمس الدين" من حدثٍ إلى آخر، ليقصَّ علينا حكاية "مهدي نصاري" الأجير الفقير، ملقياً الضوء على دخول الجيش المصري إلى اليمن، ومساندته للثورة التي يقودها الجمهوريون ضد الملكيين هناك.
هم أنفسهم
الذين رمت عليهم الطائرة هداياها المميتة، كانوا يلوحون لها حين كانوا صِغَاراً.
يصلّونَ للمطرِ
ويموتونَ من العطش.
* * *
كُنتُم فزاعاتٍ إضافية للطيور
تحرسونَ القمحَ
وتُخيفُون الطير التي تلتمسُ الجلوسَ
لا سرقة الكروم!
تحرسون القمح
يا إخوتي
لكنكم تنامون جائعين...
يستلهم نص قدور فكرة الاعتراف من نص "الموت والعذراء" للكاتب التشيلي آرييل دورفمان، دون ذلك ينطلق النص ليبني حكايته السورية الخالصة التي تدور حول علاقة قديمة تعود للحياة بين ضابط طردته المنظومة الحاكمة أيام السلم وأعادته في الحرب، "جلال" الذي كان معذبًا في أحد المعتقلات الأمنية السورية، وبين معتقل سابق، عُذب تحت يدي الأول. يلتقي الاثنان حينما تتشابك أقدارهما عن طريق ابن أخت جلال، المخرج المسرحي المهموم بإخراج مسرحية "الموت والعذراء" التي يلعب دور المعذب فيها "أكرم"، بينما تلعب شخصية الفتاة المعذبة "هيا، سهى نادر" حبيبة عمر. وفي فلك هذه العلاقات يتيه "رضوان، حمزة حمادة" حارس الضابط دون أن يعلم ما سيواجهه من أهوال بعد خروجه من خدمة الضابط للمشاركة في مذبحة القرن الواحد والعشرين
تحلّ المصائب على الشام شريف، فتكثر ولادة الأطفال العجبة، ويعمّ القحط والفقر، وما محاولة إبراهيم باشا ومن انضمّ إليه من رسُل الثورة الفرنسية إسقاطَ دولة السلطان العثماني، إلا إشارة لقرب قدوم الشيطان، كما يرى المتشدّدون دينياً، محاولين الحفاظ على الشام شريف، محاربين إنشاء الجرائد والكوميضا التي تحضّ على الفاحشة.
يحدث كل هذا في الخارج، بينما تتسلل «أروى» إلى بيت «برناردو» وتعابثه برسمٍ غريب لكائنٍ مكتمل، حامل للذكورة والأنوثة معاً.
في حبكةٍ شيّقة تدمج الخيال مع التاريخ والأسطورة والحكاية الشعبية، يحاول «خيري الذهبي» قراءة تأثيرات الحملة الفرنسية في سورية، ورصد عودة المسرح إلى الشام، مناقشاً الكثير من القضايا الإشكالية: الخرافة، الذكورة والأنوثة، وقتل الدمشقيين للشاذّ فيهم
مع توزع الفنانين والممارسين الثقافيين السوريين في أرجاء العالم، يبدو أن العلاقة مع مدنهم السورية التي غادروها أو قرروا البقاء فيها، ظلت جوهرية وأساسية، ولكنها انتقلت إلى مستويات أخرى من الألم والأمل، والتي تنوس بين مطرقة الشوق والحنين والفقد، وسندان الغضب واليتم وقطع الجذور.
استوطن السوريون خلال السنوات السبعة الماضية مدنًا جديدة. بدؤوا خلال ذلك رحلة بحثٍ عن مدنهم القديمة، استقروا في بيوت جديدة، عاشوا وأقاموا فيها لفتراتٍ قصيرة، ساروا على أرصفة جديدة، أو أعادوا اكتشاف الأرصفة القديمة، ثم أعادوا تعريفها واكتشافها في مدن ومقرات جديدة، حاولوا ابتكار دمشق، درعا، حمص، اللاذقية، طرطوس، مصياف، ودير الزور خاصتهم في مدن جديدة، وحاولوا رسم خرائط جديدة لهم فيها، وأعادوا ابتكار المدينة بين القاهرة، بيروت، إسطنبول، برلين، باريس، ومدن أخرى.
كان يعملُ في شركةٍ للمبيعات ليعيلَ أُسرته المؤلّفة من أبٍ وأمٍّ وأخت، يعمل ليسُدَّ ديون أبيه الّتي أحنت ظهره. فهو "الابن الطَّيب" طالما يقومُ بواجبه على أكملِ وجه، وأيُّ تبدّلٍ في هذا يصحبه غضبٌ ونبذٌ وإهمال. وفي مكان عمله الّذي وجد نفسهُ مُرغمَاً على التَّعايش معه، تظهرُ بشكلٍ واضحٍ حالة التَّسلّط والتَّحكّم من قبل رئيس الموظّفينَ من جهة، ليقابلها من جهةٍ أخرى حالةُ الخنوع والرُّضوخ منه.
في الواقع هو يحملُ رغبةً لاواعيةً بأن يطرد من عمله لكنّهُ يخافُ على أُسرته.. ومن هنا تنشأ حالةُ انفصام الشَّخصيّة، إذ أنَّ نموذَجيْ الأبِ القاسي ورئيس العمل يمثّلان المبدأ السُّلطويَّ المُتحكّم، وهذا ما يُثيرُ في نفسِه الخُضوعَ وروحَ التَّمرُد معاً.
حاول أن يتَّبع القوانين، أن يكون ولداً مهذّباً، أن يكون عقلانيّاً كما وصفه مديره في العمل.. وبين كُلِّ هذه المحاولاتِ الصَّادقة نجدهُ وقد فقد نفسهُ تماماً، وبدأ يعيشُ أزمةً وجوديّةً مثيرةً للعجب!
فهاهو يستيقظُ من كوابيسه في أحدِ الأيّام ليجدَ نفسه قد تحوّلَ إلى "حشَرةٍ" مقزّزَة!!
ظنّ للوهلةِ الأولى أنَّه ما زال يحلُم، وداخل فوضى الأحداثِ ولا معقوليّتها كان بحاجةٍ لدليلٍ قاطع يُؤَكد له صحّة الحدث، وهذا ما حصل عليه عندما وجد أسرتهُ مصعوقةً ومُرتعبةً من هَول الحادثة، عندها أدرك واقعيّة الحدث فهتف قائلاً: "لا، إنَّه ليس حلماً"..