يرى "فيليبي" جثثاً في كلّ ركن من أركان سانتياغو، ويسعى لمطابقة أعدادها مع عدد القتلى الرسمي، ليصل إلى رقمٍ مثالي من دون باقٍ. أما "إيكيلا" و"بالوما" فتتشاركان ذكرى لقاء غامض وغائم في الطفولة، وصداقة ربطت والدي إحداهما بوالدَي الأخرى، في ما مضى.
ينطلق الثلاثة في رحلة غير متوقعة لاستعادة جثة والدة بالوما، بعد أن علقت في الأرجنتين بسبب الأرمدة البركانية، رحلة متعددة الاتجاهات يتداخل فيها الماضي بالحاضر، والمنطق باللامنطق، وعالم الأحياء بعالم الأموات، تكشف للثلاثي الكثير عن حيواتهم، وتجعلهم يواجهون الماضي الذي يحاصرهم.
عبر سردٍ مختلف وجديد، تروي لنا "أليا ترابوكو ثيران" في روايتها التي وصلت إلى القائمة القصيرة لجائزة البوكر الدولية عام 2019، عن الماضي الذي لم يمضِ، وعن الإرث العائلي المظلم لأبناء من عاشوا في ظل ديكتاتورية بينوشيه، وعن مواجهة الألم الممتدّ عبر الأجيال.
بعد هجوم الثوريين المتحمّسين على بيت "هوشنك" وإحراقهم لآلات العزف والكتب وجميع الأشياء التي يعتبرونها ممنوعة، يقرّر مغادرة طهران مصطحباً زوجته "روزا"، وابنيه "سهراب" و"بيتا"، وطيف الابنة الثالثة "بهار"، ليستقرّوا في قرية بعيدة، آملين الحفاظ على حريتهم الفكرية وحياتهم. لكنهم سرعان ما يجدون أنفسهم محاصرين في فوضى ما بعد الثورة الإسلامية الإيرانية 1979 التي تجتاح البلاد.
تتغيّر مصائر أفراد الأسرة جميعهم، وينقسمون بين الألم والذاكرة، بين عالم الأحياء وعالم الأموات، وتتداخل الأزمنة والأحداث والفضاءات الروائية التي ترويها "بهار" مازجةً العنف والوحشية بالتصوف والتأمل والسحر والأساطير، مستحضرةً تقاليد السرد الشفوي لمواجهة القسوة بقوة الخيال.
رواية "إشراقة شجرة البرقوق الأخضر" التي وصلت إلى القائمة القصيرة لجائزة البوكر الدولية عام 2020، هي رحلةٌ رائعة عبر التاريخ والميثولوجيا الفارسية، منسوجةٌ بأسلوب الواقعية السحرية، لتستكشف مصير الأمل والحلم في إيران اليوم.
يعزف "بيرالبو" موسيقا الجاز، في "الليدي بيرد"، وهناك سمعَته "لوكريثيا" فشُغفت بموسيقاه، وأُغرم هو بغموضها.
بعد وقتٍ طويل يقابل الراوي ذاك العازف "بيرالبو" مجدّداً، لكنه الآن يتخذ اسم "جياكومو دولفين"، ويعيش حياة مختلفة، فما الذي جرى خلال هذه السنوات؟ ولماذا غيّر اسمه؟ وما حكاية اللوحة المسروقة؟ أيكون في عنوان الأغنية "لشبونة" التي تتكرّر مراراً وتكراراً مفتاحُ الماضي الغامض؟
في الشوارع الممطرة الرطبة، وفي البارات الليلية الغارقة في الدخان، وفي الليالي المليئة بأضواء زرقاء ووردية، وعلى إيقاع موسيقا الجاز، يسعى أبطال الرواية لفهم الحب والموسيقا وسرّ مدينةٍ لا جدوى من الهروب منها، لأنها ستلاحقهم إلى آخر العالم.
في هذه الرواية التي حازت على الجائزة الوطنية للأدب وجائزة النقاد في إسبانيا، يكتب "أنطونيو مونيوث مولينا" بحبكة بوليسية رشيقة، قصيدة حبّ في عشق الموسيقا.
في كرنفال مدينة فينيسيا يلتقي ثريّ مكسيكي بشخصٍ متنكّرٍ بزيّ آخر ملوك المكسيك الأزتيك: مونتيزوما، الذي قُتل على يد الفاتح الإسباني إرنان كورتيس، كما يلتقي بثلاثة من عباقرة الموسيقا الأوروبيين ممّن ملؤوا تاريخ الموسيقا بأعمالهم الخالدة: الڤينيسي أنطونيو ڤيڤالدي، الناپوليّ سكارلاتي، الإنكليزيّ-الألمانيّ هاندل. فهل رجع هو إلى القرن الثامن عشر؟ أم تقدّموا هم إلى القرن العشرين؟
في هذه التحفة الفنية مزجٌ بين الحقيقة والخيال، وقفز بين التواريخ، خلطٌ في الشخصيات، وفي الأدوار، وتزييف للوقائع، وتشكيك بالتاريخ، يجمعها كلّها "آلخو كاربنتييه" ضمن كونشيرتو باروكيّ تتقابل فيه الموسيقا الأوروبيّة بالإيقاعات الإفريقيّة، ولكم أن تتخيّلوا الموسيقا التي تدوّي ضمن السطور، والأصوات التي تعلو، والأنفاس التي تتقطع...
محاولةً التصالح أخيراً مع ماضٍ ظلَّ يطاردها طوال حياتها، تروي "كوكو" حكاية عائلتها عبر عدّة أجيال، بدءاً من السلف "ألبير لوي" الرجل الطموح الذي غادر أرضه محاولاً إعادة تكوين نفسه كرجلٍ يتمتّع بثروة، مروراً بأبنائه وأحفاده، وصولاً إليها هي ذاتها: "كوكو"، الراوية التي تشعر أنها يجب أن تحكي هذه الحكاية، وسيكون ذلك هو النصب الذي تبنيه للأموات. هو الدَّين الذي يجب أن تسدّده. حكايةٌ خالية من الجلّادين الكبار ومن الشهداء المبجّلين، لكنه سيكون لها مع ذلك وزنٌ من لحمٍ ودم، لأنها حكاية أهلها، بأحلامهم وآمالهم، بأوهامهم، بإخفاقاتهم، وبإرثهم المعقّد الذي يعاني منه العِرق كله.
"الحياة الآثمة" روايةٌ تفيض بالحكايات المتشابكة، وتعجّ بالتفاصيل التي تقدّم شهادة مهمة عن حياة عائلات الطبقة الوسطى في منطقة الكاريبي، كتبتها "ماريز كونديه" الروائية الغوادلوبية التي حازت جائزة نوبل البديلة لعام 2018، بعذوبةٍ ودفءٍ لا متناهيَين، مستندةً إلى حدٍّ كبير على تاريخ عائلتها ذاتها. كتبتها لتكون نصباً تبنيه للأموات، مسدّدةً بذلك الدَّين هي أيضاً.
هي ذاكرةٌ عجيبة، ذاكرةُ طفلةٍ أتت بها جدّتها إلى بيتها في جزيرة مايوركا، بسبب وفاة أمّها ومرض مربّيتها وانشغال أبيها. ففاجأتها الحرب ذات عطلة وهي في الرابعة عشرة. فتسجِّل في ذاكرتها كلّ ما تشاهده بدقّة، من أشجار وصخور وبحر وهواء وأضواء وألوان وأحداث وأصداء الحرب البعيدة والقريبة في آن واحد، والجبن والخيانة والغدر؛ وتسجّل مشاعر الحقد والانتقام والخوف والحب، حبّها الأوّل الخالي من الشهوة لغياب الغريزة، فهي لمّا تصبح امرأة، وما تزال تلعب بالدمى، دميتها غوروغو الأسود، منظّف المداخن الذي جاءت به من بعيد، من إحدى قصص أندرسن. فتختلط الأزمنة بعضها ببعض، وتستدعي اللحظةُ الحاضرة اللحظةَ الماضية القريبة والبعيدة، وقد تكون هذه الأخيرة أطول من اللحظة الأولى لأنها أخذت مكانها في الذاكرة واستقرّت، ولذا تكثر الأقواس والمزدوجات والتفاصيل الغزيرة من غير أن يشعر المرء بالملل. لأن ذلك كلّه مكتوبٌ بلغة رفيعة، وأسلوب كاتبة من الطراز الأوّل، هي: آنا ماريا ماتوتِه.
حازت رواية "الذاكرة الأولى" على جائزة نادال عام 1959، وهي من أعرق الجوائز الأدبية في إسبانيا وأكثرها شهرة.
يتّخذ صادق جلال العظم من الجدل واللغط الّلذين أثارهما كتاب سلمان رشدي "الآيات الشيطانيّة" أواخر الثمانينيّات منطلقاً كي يعالج ما يسمّيه "ذهنيّة التحريم ومنطق التجريم" عند المفكّرين العرب، بصورةٍ بانوراميّةٍ، ويتطرّق في مقالاتٍ أُخرى -أُضيفت في طبعاتٍ لاحقةٍ للكتاب- إلى كثيرٍ من المسائل ذات الصلّة، كالاستشراق، والاستشراق المعكوس، ومفاهيم الغزو الثقافي، والأصالة. يغوص الكاتب وراء المعاني الضمنيّة محاولاً الوصول إلى الجوهر، أو المحرّك الحقيقي للقضايا التي يناقشها، ويرفع صوته عالياً ليجادل ويناقش آراء أقرانه الباحثين والمثقفين: كإدوارد سعيد، وأدونيس. الجرأة تجعل من هذه المقالات الرصينة وثيقةً مهمّةً للنقاشات والحواريّات التي سادت بين المفكّرين العرب في تلك المرحلة، حتى إن لم يتّفق المرء مع أيّ طرفٍ منهم، فالمهم هنا الاحتفال بالفكر الحُرّ، والجدل المبنيّ على اجتهادٍ ومعرفة.
على الرغم من أنّ النقاشات العميقة، والحامية، والممتعة التي يتضمّنها هذا الكتاب تقدّم الكثير من الإجابات، إلّا أنّها تحفّز أيضاً الكثير من الأسئلة المتجدّدة التي ما تزال تؤرّقنا وتسوّغ حاجتنا إلى قراءاتٍ من هذا النوع.
لا تقدّم لنا "كريستينا فرناندث كوباس" بطلاتِها بسهولة، فهي تأخذنا في مسارات مستقيمة للوهلة الأولى، وفي لحظةٍ ما، تقلب كلّ شيء رأساً على عقب، فنكتشف أن شخصياتها تضطرب بين واقعَين، الفاصل بينهما دقيق جداً، هما الواقع الثابت، والواقع المُتخيّل أو الموهوم. يطغى أحدهما على الآخر تارةً، وتحدث مصالحة بينهما تارة أخرى، من غير أن ندري أيّهما الموجود الحقيقي، وأيّهما غير الموجود.
"حجرة نونا" التي حازت جائزة النقّاد في إسبانيا (2015)، والجائزة الوطنية للسرد (2016)، عدسةٌ مكبّرة نرى فيها تعقيدات النفس البشرية والغموض الذي يلفّ حياتنا من دون أن ننجح في ملاحظته وفهمه دائماً، تعيد فيها "كوباس" النظر في الطفولة والنضج والوحدة والأسرة، لتكشف لنا أن لا شيء هو فعلياً كما يبدو، كاتبةً كلَّ ذلك بلغةٍ شفيفة وبأسلوب متفرّد تضفي عليه مسحةً بوليسية، بمهارة وخفّة.
بيوت مُلْك، وأُخرى مستأجَرة، مساكنُ زائلةٌ ومؤقّتةٌ، تتنقّل بينها الكاتبة عابرةً مدناً سوريّةً مختلفةً، ومحيلةً المنازل إلى محطّاتٍ، أو استراحاتٍ تتيح لها تأمُّل سياق حياتها، وخياراتها، ومنبع رغبتها في البقاء بين الأبواب المغلقة. الطابع الذاتيّ للكتاب يُحيله إلى نوعٍ من الشهادة الشخصيّة، لكنّ نور أبو فرّاج تراهن على أنّ ذكرياتها قد تتقاطع إلى درجةٍ كبيرةٍ مع تجارب شباب وشابّات الطبقة الوسطى من جيل الثمانينيّات في سوريا، الذين عاشوا حياةً مستقرّةً نسبيّاً، قبل أن تأتي الحرب وتُحدِث قطعاً في سياقهم، وتطردهم قسراً من مساحاتهم الآمنة.
في وجه الزوّال وعدم اليقين الذي تُحدِثه الحرب، يُمسي الوصف تخليداً للزائل؛ ولهذا يحاول الكتاب تذكير القُرّاء بالوقت الطويل الذي يلزم لبناء بيتٍ، بالمعنى الرمزيّ، أو الإنشائيّ، لكنّه مع ذلك يحذّرهم من أن يمسوا أسْرى للمكان، ويشجّعهم على حمل بيوتهم كتذكاراتٍ، أو أمتعةٍ صغيرةٍ في رحلتهم الطويلة.
خالد شابٌّ ثلاثينيٌّ تخرّج في كليّة الفنون الجميلة، وأخفق في السفر من مدينته "الجنيّات" التي أطبقت الخناق عليه من كلّ الجهات، فلم يبق أمامه خيارٌ سوى العمل موظّفاً في مكتبة، يمارس من خلالها عملاً إضافيّاً سريّاً يبيع فيه أعماله الروائيّة. كانت الحياة لتسير بصورةٍ أفضل لو أنّ المرء يستطيع حفظ السرّ، لكنْ كما يقول فرج والد خالد: "مهما أخفيته، سيستيقظ السرّ في داخلك يوماً ما، حينها سيظلّ يحفر روحك حتّى يتحرّر منها إلى العالم". وبذلك فخيارات خالد في الحياة سرعان ما تضعه في مواجهة "خليل النايف" المحامي، صاحب النفوذ الواسع، والراغب في دخول عالم الكتابة.
ضمن سياقٍ تشويقيٍّ، وإيقاعٍ متسارعٍ، يغوص تميم هنيدي في كواليس علاقات الكتّاب، والناشرين، وأصحاب المكتبات، ويضيء على الطريقة التي قد تُوظَّف فيها الثقافة لتلميع صورة الطبقة السياسيّة التي أفرزتها الحرب، لكنْ هل تستطيع الكتب القيام بمهمّةٍ مثل هذه؟
تبحث شخصيات هذه الرواية عن حياةٍ مختلفة، فتترك بعضهنّ عملهنّ في مصنع القطن ويتحوّلن إلى عاملات جنس في منتجع الينابيع الحارة، بينما يدخل واحدٌ منهم إلى السجن بإرادته باحثاً عن الهدوء، وتمضي ثالثة إلى مسقط رأسها مكتشفةً كهوفاً وأنفاقاً عجيبة، بينما تختار رابعةٌ ملاذاً لها في مقاطعة ريفية، حيث الأعشاب الصينية المستخدمة في الطب التقليدي.
تتشابك هذه الشخصيات في علاقات عاطفية وجسدية متعددة، فيما يبدو كلّ واحدٍ منهم وكأنه مرآة للآخر، إذ تبدأ حكاية كلّ واحد منهم حيث توقفت السابقة، في بنيةٍ زمنية انسيابية.
في هذه الرواية التي وصلت إلى القائمة الطويلة لجائزة البوكر الدولية عام 2019، تكتب "تسان شُيِّيِه" عن مغزى الحياة في علاقتها بالحب والجنس ومسقط الرأس والعمل، وعن الحدّ المتلاشي بين الحياة والموت، وبين اليقظة والنوم، في حبكة ضبابية وهائجة مليئة بأوصافٍ حسّية واستعاراتٍ حيّة، تتردّد في جوانبها أصداء الواقعية السحرية.
"لست شتيلر!"، يبدأ بطل الرواية كتابته بهذه العبارة، ويسوِّد سبع كرّاسات في سبيل إثبات أنه ليس ذاك الذي يصرّ الجميع أنه هو. فيعترف بجرائم قتل لم تُحلّ، ويحكي تفاصيل حياته السابقة في المكسيك وأميركا بين رعاة البقر وعمّال الرصيف، ولكن مع ذلك فإن زوجة "شتيلر" وأصدقاءه وشقيقه يتمسّكون برأيهم، فيما بطل الرواية يكتب ما يقولونه في كرّاساته ويعلّق عليه، وعلى حياة ذلك النحّات، وعلاقاته العاطفية والزوجية، وعن الفن والفنّانين وتقلّبات حياتهم.
تعتبر "شتيلر" إحدى الدرر الأدبية، ومن أهم الروايات المعاصرة المكتوبة بالألمانية. إنها رواية استثنائية عن الإنسان الحديث وعلاقته المتصدّعة مع الهوية، وعن صورة الذات لدى النفس ولدى الآخرين. وهي رواية مكتوبةٌ برهافة وببناء فني معقّد ومقنع وممتع في آن معاً، تُبرز المقدرة الفذّة للكاتب السويسري الشهير "ماكس فريش".