في عام 1920 سافر الفيلسوف وعالم المنطق والرياضيّات البريطاني برتراند راسل في زيارةٍ قصيرةٍ إلى روسيا، وهي رحلة حملت له الكثير من الإحباط، وجعلته فيما بعد من أبرز المنتقدين للبلشفيّة، أو "التجربة الروسيّة في الشيوعيّة"، بدون أن يعني ذلك تخلّيه عن دعم الاشتراكيّة كفكرةٍ، أو نهجٍ سياسي.
في القسم الأوّل من هذا الكتاب، يسجّل راسل انطباعاته المباشرة عن تلك الزيارة، على صورة مشاهدات صحفيّة قام بها يساريٌّ ملتزمٌ وفيلسوفٌ من الطراز الأوّل. في حين يخصّص القسم الثاني النظريّ الفلسفيّ لعرض انتقاداته الرئيسة للماركسيّة والبلشفيّة؛ كانتقاد فلسفة التاريخ الماركسيّة، والدوافع النفسيّة المحرّكة للإنسان بحسب ماركس، وانتقاد رؤية البلاشفة للديمقراطيّة، ورفض تكرار التجربة البلشفيّة في الغرب.
يعرض راسل أفكاره على القارئ العاديّ بأسلوبٍ سلسٍ بدون أن يعني ذلك تخلّيه عن عمق المعالجة. فتجربة راسل وعلاقته بثورةٍ آمن بها وعاين فشلها قد تلهم الكثيرين؛ لأنّها تعلّمهم أنّ تغيير العالم نحو الأفضل يأتي عن طريق الصدق والنقد، ومن خلال التعلّم من الأخطاء، وتفهم أولئك الذين ارتكبوها بمثاليّةٍ وشجاعة.
تحت سقف نزلٍ متواضعٍ في حيٍّ فقيرٍ في العاصمة التشيليّة، تلتقي مجموعة غرائبيّة من النزلاء، بينهم عمّالٌ، ونقابيّون، وطلّابٌ، وشرطة مرور، وفنّانون استعراضيّون؛ ليشهدوا جميعاً الأيّام الأخيرة من حكم الاتّحاد الشعبي برئاسة سلفادور ألليندي، قبل وقوع الانقلاب الدموي الذي قاده الجنرال بينوشيه وغيّر تاريخ تشيلي إلى الأبد. هكذا يتحوّل هذا النّزل إلى ما يشبه غرفة العمليّات التي يحاول من خلالها بعض اليساريّين التشيليّين حماية الحكومة الاشتراكيّة، والوقوف في وجه الفاشيّة. وبين هؤلاء جميعاً، يحاول أرتورو، لاعب الكرة، المتبجّح والبتول، القادم من الجنوب إلى العاصمة، والمثقل بأحلام الشهرة والرغبات غير المشبعة، اكتشاف نفسه وتحديد موقفه من كل ما يحصل حوله.
"حلمت أنّ الثلج يحترق" هي أولى روايات الكاتب التشيلي أنطونيو سكارميتا، وإحدى أهم أعماله. فيها يؤسّس لملامح أسلوبٍ خاصٍّ متنوّعٍ على صعيد الإيقاعات وتقنيّات السرد، يمتزج فيه الخيال مع الواقع، وتخفّف فيه الفكاهة الساخرة من قسوة الأحداث الدراميّة؛ فالكتاب بمنزلة وثيقةٍ حيّةٍ للحوارات، والصراعات، والمزاج الشعبي الذي ساد تشيلي في أكثر لحظات تاريخيها مفصليّة.
قطارٌ يسافر براكبٍ وحيد يضطرّ للتوقّف لمدّة ساعة كاملة، فيغادره المسافر ويمشي لإضاعة الوقت، لكنّ الدروب تقوده إلى منجم فحم، ثم إلى عرسٍ غجريّ، وأخيراً إلى مكانٍ حُبست فيه خمسة ذئاب، لتنفيذ مخطّطٍ يستهدف القرية وسكّانها.
في حبكةٍ شيّقة، تشدّك هذه الرواية وتحملك بعيداً دون أن تترك لك أيَّ فرصةٍ للهروب، وأنت تقتفي أثر ذلك الرجل الغريب الغامض وتتساءل: تراه من يكون؟ قدّيسٌ أتى لينقذ القرية وسكّانها؟ أم مجرّد رجل مختلّ عقلياً هارب مع جنونه؟ أم فيلسوفاً؟ أم كلّ هؤلاء معاً؟
تكتب "إلينا ألكسييفا"، بكثافةٍ لغوية ونفسية، روايةً تقف على الحدود بين الديستوبيا والواقعية السحرية والعبثية، فتستلهم منها كلّها دون أن تغرق في واحدة منها. ولذلك فقد استحقّت في السنة التالية لصدورها جائزة رواية العام 2019، وجائزة الريشة عن المركز الوطني للكتاب.
الأعلى، بوصفه دكتاتوراً أبدياً، يريد أن يكون الصوت الوحيد الذي يُسمع في بلده هو صوته، وأن يتّبع رعاياه كلّهم المسار الذي حدّده، لأنه متيقّن أن هذا هو قدرهم. ولكن ما الذي سيحدث حينما يستيقظ ذات يومٍ فيجد منشوراً عُلّق على باب الكاتدرائية، كُتب على شكل مرسومٍ صادر من الدكتاتور نفسه يوعز فيه للشعب بتعليق رأسه بعد موته على رمحٍ في الساحة العامة، ويدعو إلى قتل كلّ معاونيه؟ هل سينجح الأعلى في معرفة من كتب هذا المنشور ومعاقبته؟
في هذه الرواية يترك "أوغستو روا باستوس" العنان لشخصية "خوسيه غاسبار دي فرانثيا"، الذي حكم باراغواي بقبضة حديدية لما يقرب من ثلاثة عقود، ليروي ويُملي، يسألُ ويجيب، يحكي القصص والحوادث ويحكم على المواقف والأشخاص، في سردٍ محموم، وبناءٍ عبقريّ أهّل هذه الرواية لتكون من بين الأعمال المئة الأبرز في الأدب المكتوب بالإسبانية.
تصدم عربةُ "دينغو"، محرّك الدمى، طفلاً صغيراً أثناء مرورها بقرية أرتميلا، القرية البائسة التي هرب منها قبل سنوات ملتحقاً بفرقة من البهلوانيين، طامحاً في أن يجعل حياتها كلّها مهرجاناً مستمراً. فيلجأ إلى صديقه القديم "خوان مديناو" لمساعدته في ورطته هذه، غير أنّ اتصاله بسيّد القرية، سيوقظ في الأخير تفاصيل الماضي المؤلم، وسيبدأ معها رحلة لا هوادة فيها عبر الذاكرة، مسترجعاً علاقته بوالده، وانتحار أمّه، ومزيج الحقد والحبّ الذي شعر به تجاه أخيه غير الشقيق.
في هذه الرواية الصغيرة الحجم، ولكن كبيرة الأثر، تتمكّن "آنا ماريا ماتوته" من النبش في أعماق شخصياتها، باحثةً عما تتركه الطفولة من ندوبٍ غائرة في نفوسهم، كاشفةً ببصيرةٍ ثاقبة وحساسيةٍ عالية عن أعقد المشاعر الإنسانية وأكثرها عمقاً، في سردٍ كثيف يفسح المجال لمشاعر الدونية والخوف والعزلة والكراهية أن تروي حكايتها هي أيضاً.
يسقط "ماريو روتا"، أستاذ علم النطقيّات، أثناء ممارسة رياضته الصباحية اليومية المعتادة، مما يتسبّب بالتواءٍ في كاحله، وعندما يعود إلى شقّته ستعرّفه مالكة المنزل إلى المستأجر الجديد "دانييل بيركويكس" الذي سيسكن إلى جواره.
بدءاً من تلك اللحظة، كلُّ شيءٍ سيتغيّر في حياته، فالمستأجر الجديد هو زميله ليس في السكن فحسب، بل في العمل أيضاً، ويهدّد وجوده ومكانته. وستتفاقم الأمور سوءاً حين يزوره في شقّته، فيكتشف أنها نسخة معكوسة عن شقّته نفسها بمحتوياتها وترتيبها.
في رواية "المستأجر" يكتب "خابيير ثيركاس" في سردٍ رشيق وممتع، قصّةً تحبس الأنفاس لا نملك أمامها إلا المتابعة صفحةً بعد صفحة لنعرف مصير بطلها، وكيف سيواجه ظروفه الجديدة، فيما الكلّ يحذّره بعد أن يطمئن على كاحله: "أغبى الأمور يمكن أن تُعقّد الحياة أحياناً".
بحقيبةٍ في يدها، واللفافة التي تنام فيها ابنتها "كايا" على ظهرها، تنطلق "إنغريد بارأوي" مغادرةً الجزيرة التي تحمل اسمها، في رحلة عبر النرويج للبحث عن والد طفلتها. وفي كل مكانٍ تصل إليه تطرح سؤالاً وحيداً: هل يتذكّر أحد روسيّاً هرب عبر الجبل خلال الشتاء الأخير قبل انتهاء الحرب؟
تدرك إنغريد خلال رحلتها تلك، ومن خلال لقائها بالعديد من الأشخاص أنّ الحرب تترك ندوبها على الناس، لكنّ السلام أيضاً يفعل فعله مع الذاكرة. فهل ستجد الشخص الذي تبحث عنه؟ وما مدى معرفتها فعلاً بالرجل الذي تخاطر بكلّ شيء للعثور عليه؟
"عيون ريغيل" قصّةٌ شاعرية وقاسية عن شعب ما بعد الحرب، وعن مصائر الناس، تُروى من منظور امرأة غير عادية تكتشف شيئاً فشيئاً أنّ الحقيقة هي أول ضحايا السلام.