هل ظل من الممكن إضافة شيء حول المتنبي، مالئ الدنيا وشاغل الناس، طيلة هذه القرون التي امتدت من ولادته حتى الآن؟!.. وهل ظل جانب منه لم يدرس ويُمحَّص ويُقلَّب على أكثر من وجه، ولم يخضع للنقاش والأخذ والرد بين محبي هذا الشاعر العظيم وبين منتقديه وكارهيه؟!..
إن المتنبي شخصية فذة في تراثنا الأدبي. ومحبوه وقرَّاؤه وحفظة أشعاره أكثر من يتم إحصاؤهم، وأكثر خطورة من أن يتم الاشتباك معهم دون تحضير واستعداد مسبقين. فهم على معرفة واسعة بشعره وبالكثير من مراحل حياته وتفاصيلها. وحميّتهم في الدفاع عنه أو في مهاجمته لا تقاس. وبالتالي فالصورة المسبقة عنه أكثر إلزاماً. والصورة المتخيلة عنه، التي رسموها له، أكثر التصاقاً بالمخيلة من أن تتم مناقشتها. وعلاقته بـالهوية القومية أكثر تجذراً وخطورة. وهذا ما يجعل التطاول عليه، بالنسبة للكثيرين، تطاولاً على واحد من «قيم الأمة ورموزها».
ولكنني أكتب عن المتنبي بعد أن اشتغلت عامين كاملين في قراءته وتحليل شعره ودراسة تفاصيل حياته من أجل كتابة مسلسل تلفزيوني عنه. والكتابة الدرامية تفرض على صاحبها أن يتغلغل ما استطاع في نفوس أبطاله لكي يفهمهم، وأن يتخيلهم في الحالات التي يمكن أن يكون فيها البشر، وأن يرسم ردود أفعالهم، بالمنطق الدرامي، كما يمكن أن تكون عليه ردود فعل البشر. وذلك كله ضمن إطار المعلومة التاريخية الموثقة.
"غورغ هينيك" صانع كمنجاتٍ شهير، قرّر، حين قاربت حياته على نهايتها، أن يقاوم النسيان، وأن يتحدّى الحياة برمّتها، باسم الفنّ، وذلك بصنع كمنجةٍ غير تقليدية، لا تشبه أيَّ أداةٍ موسيقية صُنعت من قبل، ليملأ الكون بنغماتٍ لا تتكرّر. أما "ڤِكتور" الطفل الذي يروي لنا هذه القصة، فقد التقى الجدّ "هينيك" لأول مرة في عيد ميلاده الخامس، حين حصل على كمانه الأول، ثم التقاه مرّاتٍ كثيرة في ما بعد، وقد نشأت صداقة عظيمة بينهما.
في هذه الرواية يكتب " ڤِكتور باسكوڤ "، بأسلوبٍ موسيقيّ، حكايةً دافئةً عن الفنّ، وعن مرور الزمن، وعن ظلال الأحبّة، وعن المجتمع البلغاري وتنوّعه.
خيري الحلّاق مجرمٌ خطِرٌ محكومٌ بالإعدام، يقضي ما تبقّى من حياته داخل السجن منتظراً لحظة تنفيذ الحكم، ويخفي عن الجميع السرّ الذي دفعه لارتكاب جريمته؛ سرٌّ قد يخفّف عقوبته، أو يصون حياته. ومع دخوله إلى جناح المعتقلين السياسيّين، يغيّر المجرم قناعاته، ويعيد النظر في حياته، ليموت بذلك شخصاً مختلفاً.
تغوص هذه "السرنامة" في مجتمع القاع التركيّ من القتَلة والمجرمين، لتصوّر يوميّات السجناء وصراعاتهم في الزنازين، لكنّها أيضاً تحمل بُعداً سياسيّاً وإنسانيّاً بانتقادها عقوبة الإعدام، ومحاولة المجتمعات التطهّرَ عبْر اختيارها كبش فداءٍ تعلّق عليه جرائمها وفسادها، وتحتفل بالفُرجة على إنهاء حياته.
عادةً ما تكون السرنامة كتاباً يصف -بدقّةٍ- نوعاً معيّناً من الاحتفالات الجماهيريّة، لكنّ سرنامة عزيز نسين تنقل وقائع وتفاصيل إعدام "مجرمٍ" فقد حقّه في أن يتغيّر.
ولماذا الشعر الآن؟!
نحن نعيش في عصر الخيانات، والمؤامرات، والاغتيالات. نلهث عبر أربع وعشرين ساعةً مزدحمةً قاتلةً في إطارٍ من الزمن الممطوط المهمل الذي لا يعطي أيّة أهميّةٍ لحياتنا كلّها. نعيش دوّاماتٍ، ومتاهاتٍ، واستلابات. نعيش القهر، والخوف، والجوع. فلماذا الشعر الآن؟!
من الذي لديه الوقت للشعر؟ من الذي لديه الوقت لكتابة الشعر؟! ومن الذي لديه الوقت لتلقّي الشعر؟!
يشاغب الشعر على الخيانة، والمؤامرة، والقتل، أو يشاغب على التفاهة، والسطحيّة، والشعوذة. والشعر إن لم يقل: "لا" على نحوٍ صارخٍ، وصاخبٍ، وجارحٍ، فإنّه لا يقبل أن يقول: "نعم" حتّى بقطع رأسه.
هو ذلك الشيء الإيجابي العظيم. هو ما يؤكّد لنا أنّنا نبكي لأنّنا لم نعتَد الذلّ بعد، ولم نقبله، وأنّنا ننزف لأنّنا لم نمت، وأنّنا نغضب لأنّنا لم نتأقلم مع الظلم. إنّه ينبّهنا إلى ما كدنا أن ننساه، ويذكّرنا بأنّنا بشر، وأنّنا أكبر وأعظم من يوميّاتنا.
نحن بشر. لا بدّ من أن نتذكّر هذا دائماً، ولا بدّ من أن يذكّرنا الشعر بهذا دائماً.
نحن أكبر من الربح والخسارة، وأكبر من القبول والاستسلام، أو الخبث والمراوغة.
لذا لا بدّ من الشعر.
ولذا لا بدّ من الشاعر.
يعود ماريو، الرسّام الهندسي، ذات يوم إلى شقّته، في مدينة خايين، التي يتقاسمها منذ ستّ سنوات مع زوجته بلانكا، فيجد أن امرأةً أخرى تكاد تطابقها في الملامح والإيماءات شغلت مكانها، يبدأ بتقليب الذكريات والتمحيص في الدلائل محاولاً استكشاف أسباب غيابها، أو استحضارها مجدّداً بطريقة ما. هل رحلت "بلانكا" حقاً؟ وما الذي تبحث عنه في العوالم التي تغرق فيها ويحرّم على "ماريو" دخولها؟
في هذه الرواية المكثّفة والشيّقة يخوض الكاتب الإسباني "أنطونيو مونيوث مولينا" عميقاً في علاقة رجلٍ وامرأة تقاطعت مصائرهما قبل أن يبدأ عالمهما بالاهتزاز بتأثير الاختلافات ورتابة الحياة. فمولينا يضيء على تعقيد العلاقات العاطفية، والصراعات التي يعيشها أزواجٌ يحبّون في شركائهم اليوم ما قد يكرهونه فيهم غداً...
أحد عشر عاماً انقضت منذ أن اجتمع ميغيل وآليثيا ولوكاس معاً في مكان واحد، يوم كانوا أصدقاء في سن المراهقة، ومنذ ذلك الحين وما إن يحدث اتصال بين اثنين منهم، يكون شبح الثالث حاضراً، بحيث تتبدّل الأدوار ومواضع الرغبات ولا يُعرف حقاً مَن مِنَ الشابّين أحبّ آليثيا ومن تخلّى عنها منهزماً أمام الآخر.
في هذه الرواية الخاصة، يغوص الروائي "ماريو بندِيتّي" في أعماق النفس البشرية متأملاً مثلث حبٍّ معقّد بين شابّين وفتاة، تاركاً لكل واحدٍ منهم مساحةً لرواية الحكاية من وجهة نظره عبر اليوميات والرسائل والقصة، لتبدو بذلك حكايةً مختلفة كل مرة، كما لو أنها ثلاثة أنهار صغيرة تصبّ في النهاية في البحيرة ذاتها.
يحدثُ أن تنسلّ إلى أعماقك قصّةٌ، فتهزّك بعنفٍ وتتحدّاك أن تُعرض عنها. هذا بالضبط ما حدث لي مع قصّة العندليب. والحقيقةُ أنّي فعلتُ كلّ ما في وسعي كي لا أكتب هذه الرواية، غير أنّ بحثي في موضوع الحرب العالميّة الثانية قادني إلى حكاية الشابّة التي صنعتْ طريق الهروب من فرنسا المحتلّة، فلم أستطع الفكاك منها. هكذا أصبحتْ قصّتها نقطةَ البداية، وهي في حقيقتها قصّةُ بطولةٍ، ومخاطرةٍ، وشجاعةٍ جامحة. لم أستطع صرفَ نفسي عنها؛ فظللتُ أنقّب، وأستكشف، وأقرأ، حتّى هَدَتْني هذه القصّة إلى قصصٍ أُخرى لا تقلّ عنها إدهاشاً. كان من المستحيل أنْ أتجاهل تلك القصص. هكذا ألفيتُ نفسي تحت وطأة سؤال واحدٍ يسكنني، سؤال يظلُّ اليومَ قائماً كما كان قبل سبعين عاماً: تحتَ أيِّ ظرف يمكن أنْ أخاطر بحياتي زوجةً وأمّاً؟ والأهمّ من ذلك، تحت أيِّ ظرف يمكن أن أخاطر بحياة طفلي لأنقذ شخصاً غريباً؟ يحتلُّ هذا السؤال موضعاً رئيساً في رواية العندليب. ففي الحبّ نكتشف من نريد أن نكون؛ أمّا في الحرب، فنكتشف من نكون. ولعلّنا في بعض الأحيان لا نريد أن نعرف ما يمكن أنْ نفعله كي ننجو بحياتنا. في الحرب، كانت قصص النساء دوماً عرضةً للتجاهل والنسيان. فعادةً ما تعود النساء من ساحات المعارك إلى بيوتهنّ ولا يقلنَ شيئاً، ثمّ يمضينَ في حياتهنّ. العندليبُ إذن روايةٌ عن أولئك النساء، والخيارات الجريئة التي اتخذْنَها كي ينقذنَ أطفالهنّ، ويحافظنَ على نمط الحياة الذي اعتدْنه. كرِسْتِن هانا
تزوّجتُ أغنية، فعلتُ هذا سرّاً منذ خمسة أعوامٍ تقريباً.
حين سمعتُها كانت الشمس تميل إلى الغروب، وكنتُ في فسحةٍ سماويّةٍ لبيتٍ قديمٍ جدرانُه بلون الحليب، عرفتُ منذ أوّل إيقاع أنّها هي، أغنية عمري، تردّدتُ قليلاً فقط، ولأنّني لم أسمع من قبل عن حُكْمٍ شرعيٍّ، أو سببٍ أخلاقيٍّ يمنعُ أن تتزوّجَ امرأةٌ بأغنية، حسمتُ أمري وتزوّجتُها.
كلّ ليلةٍ أضع سمّاعتين في أذنيّ، يغنّي ياس خضر لي "حن وآنا أحن"، أضبطُ ارتعاشاتِ روحي مع ارتجافاتِ اللّحنِ العراقيِّ الحزين، وأشربُ صوتَ ياس عبر مسامي كلّها، تكوي الأغنيةُ قلبي، فيذوب، ويسيلُ دموعاً، وقطراتِ مطر، وحبّاتِ ندى، ثمّ تلِجُ رحمي برفقٍ، فأنجبُ فراشاتٍ، وزرازير، وزهراتِ نرجس.
أبتسم قبل أن أنام، وتبتسم معي نساءٌ كثيرات، لا أعرفهنّ ربّما، لكنّني أعرف أنّهنّ مثلي، قد تحييهنّ أغنية، وقد تقتلهنّ أغنية.
قلقٌ من نوعٍ خاصّ يسيطر على "مارتين سانتومي" بعد اقترابه من سنّ التقاعد، وهو يرى أن حياته انقضت دون أن يحقّق شيئاً يستحقّ الذكر، غير أن ثمّة ما يتغيّر بعد توظيف الشابة "أبييّاندا" في المكتب الذي يعمل فيه، إذ يعيش فجأةً مشاعر السعادة، بعد أن حرمته منها الحياة لسنواتٍ طويلة، منذ وفاة زوجته واضطراره لتربية أبنائه الأطفال وحدَه.
من خلال يوميّات "سانتومي" على مدار عام كامل، يصوّر لنا "بِنِديتي" حياة الطبقة الوسطى في أورغواي، معبّراً برهافةٍ شديدة عن الوحدة وانعدام التواصل، الحبّ والسعادة، والموت، في سردٍ شاعريّ يؤهّل هذه الرواية لتكون واحدةً من أجمل روايات الحب، وأشدّها قوّةً ورشاقةً في أدب أميركا اللاتينية.
978-9933-641-97-9مواسم الحصاد في فصل الصيف، ألوان الأنهار والأسماك والحجارة، دفء الاحتفالات في قرية صغيرة، حقل قمحٍ مواجهٌ للمحيط، واللمسة الرقيقة لأخطبوطٍ صغير على قدمٍ حافية... صورٌ يستحضرها "لوكليزيو" من طفولته المبكّرة في منطقة بروتاني، باعثاً الحياة فيها، بسردٍ آسر، قبل أن ينتقل ليحكي عن مواجهته الأولى مع الحرب، والجوع، والقلق في مدينة "نيس".
في كتابه هذا يذهب الكاتب الفرنسيّ "جان ماري غوستاف لوكليزيو" أبعد من سرد الذكريات، ليقارب الحرب وأثرها الدائم على طفولته، محاولاً فهم الفراغ الغامض الذي تتركه داخل كلّ مَن عايشها، ومن ثم يُشرّح بعمق الطبيعة الثقافية والتاريخية للمدن "الأقلّ حظّاً" في فرنسا، ويورّطك في حبّ مدنٍ لم تزرها يوماً
مقالات أورويل هذه مكتوبة بنفَسٍ عمليّ مباشر وصريح. ليست مقالات فكريّة محضة، أو أكاديميّة. على العكس تماماً، يريد أورويل للقارئ أن ينخرط في المعارك الفكريّة، وبالتالي السياسيّة- إذْ لا يميّز بين الأمرين. من جهة أُخرى، المقالات مسلّية للغاية، وذكيّة، ولئيمة. الكتابة الصحفيّة، بالنسبة لأورويل، مشروعٌ أدبيٌّ خاص. يجعل أورويل من فنّ المقال مجالاً متجدّداً لاكتشاف معنى الكتابة، وتُدرّس مقالاته في الجامعات والمعاهد الإنجليزيّة بوصفها نموذجاً للكتابة الجادّة الأدبيّة العميقة الفنيّة.
أربع عشرة صفحةً فقط، أو ربّما بضعة أسطرٍ تكفي.
تجربةٌ مختلفةٌ وخطرةٌ إلى أن أعرف أيّهما أهمّ: ما قلناه كي يكون مذكّرات بسيطةً جدّاً، وصالحةً للنشر، أم ما قلناه على امتداد مراحلَ طويلةٍ، وكان أغلبه ليس للنشر.
كما الحياة، التفاصيل كلّها مهمّة، لكنْ ما نتركه خلفنا مجرّد أثرٍ بسيط.
بتوش الحلوة، بتول، الراحة التركيّة، السيّدة عملة صعبة، أسماء مختلفة لامرأةٍ واحدةٍ ضاع أثرها، وبات العثور عليها حيّةً، أو ميتةً ضروريّاً حتّى تحصل عائلتها على تركةٍ كبيرةٍ ورثتها المرأة الغامضة؛ بحيث تمسي رحلة البحث عنها فرصةً لاكتشاف خفايا المجتمع الراقي الذي كانت "بتول" يوماً جزءاً منه. هي رحلة صعودٍ وهبوطٍ وتحوّلات امرأةٍ تلاعبت بالجميع، وانتقمت منهم كي تثأر لظلمٍ بعد أن أخفت وراء ضحكتها الآسرة سراً غامضاً.
في هذا الكتاب، يوجّه عزيز نِسين، نقده اللّاذع ليفضح "العفونة" التي لحقت بالطبقات المخمليّة من المجتمع، وما يسودها من انتهازيّةٍ، وابتذالٍ، وغيابٍ للقيم، لكنّه يفعل ذلك ساخراً من المواقف والمفارقات التي تجعل الرجال يعمون عيونهم عمّا لا يريدون تصديقه، ويستسلمون طواعيةً لخداع وتقلّبات فتاةٍ لعوب كبتوش الحلوة.
يعيد إدواردو غاليانو في كتابه "مرايا" قص تاريخ الحضارة البشرية على طريقته، مكثفاً ما يراه مثيراً، وطريفاً، وجديراً بالاهتمام عبر مقاطع مقتضبة مُحكمة تتيح للقارئ فرصة التواصل مع الأحداث والوقائع التي يقرؤها كما لو أن التاريخ ينبعث أمامه من جديد. فالمؤلف يعتمد مساراً كورنولوجياً في رواية تاريخ مبني على المفارقات المرّة، ويتوقف عند مدن وشخصيات وأحداث واختراعات شكلّت علامات فارقة في تاريخ البشرية. هكذا نراه ينتقل بخفة بين شتى الموضوعات؛ كختان النساء، دودة القز، الجعة، سانتا كلوز، التانغو، أدوات تعذيب محاكم التفتيش. لكنه وعبر الإيهام بالتشتت يجعل التاريخ بصورة ما منطقياً أكثر ومفعماً بالسخرية المرّة. بانتقائية شديدة وحريّة مطلقة يختار غاليانو بسعة إطلاعه، ما يستوقفه من نقاط بدت له مفصلية في مسيرة البشرية، وتحديداً الأحداث أو الأشخاص المنسيين الذين تجاهلتهم الرواية السائدة للتاريخ، وأرادت طمسهم إزالتهم من الذاكرة الجمعية، كما لو أنه يقول للعالم: "انظر لوجهك الحقيقي منعكساً في مرآة".
الحياة دراما، والدراما هي دراما داخل هذه الدراما، وتتحدّث في معظمها عن هذه الدراما التي هي منبثقة عنها، وعمليّة التمثيل هي عدوّ هذه الدراما، فبقدر ما نكون صادقين في تقديم هذه الدراما، وبقدر ما نكون عفويّين بقدر ما نبدو حقيقيّين، والعكس تماماً هو الصحيح، فعندما تبدو كأنّك تمثّل ستكون أقرب إلى الإخفاق، وأبعد عن محبّة الجمهور، حتّى المهرّج عليه أن يهرّج بصدقٍ وعفويّةٍ تظهره حقيقيّاً، ومثالنا على ذلك تشارلي شابلن الذي استخدم أدوات المهرّج في كل أدواره التي يعرفها الناس، وتفاعل الجمهور مع القضايا الإنسانية التي طرحها وتعاطف معها.
كلنا يعرف بأنّ ما يقدّم على الشاشة ليس إلّا أحداثاً لا أصل لها، هكذا نعتقد، ولكن لماذا نتابعها إن كنّا نعتقد ذلك؟ نحن نتابعها لأنّنا في الحقيقة أبطال هذه الدراما: فمؤلّفها، ومخرجها، وممثلها، وبقيّة صنّاعها ينطقون باسمنا، ويمثّلون لنا، ويمثّلوننا في الوقت نفسه، وحين نتابعهم فنحن نشاهد أنفسنا، أو تفاصيل منها.
هذه المجموعة تقدّم مجموعة قصصٍ تحاول الاقتراب من عوالم الدراما بهذا الشكل أو ذاك، تأليفاً وتمثيلاً.