رواية تراجيدية تطرح من خلالها الكاتبة قضايا المرأة وفصولها الأربعة إشراقها وكفاحها وضعفها وذبولها من خلال حكاية امرأة لم يجف نبعها منذ أول فقد وأول لعنة حلت بها وظلت تلاحقها كالظل الذي لا يخبو حتى بعد غروب النور سؤال تطرحه بطلة الرواية باستمرار لعلها تظفر بإجابة ذات يوم وفي كل مرة تسمع زقزقة العصافير صوت أم كلثوم يصدح في المذياع وعربة يس كريم تدق وتقرع الأجراس ليسقط منها ما تبقى من فرحها وسعادتها وحياتها يشتد الظلام ويقرع عقلها ناقوسه تحاول أن تنجو من الضجيج واللام ولكن في كل مرة تخفق
المؤثرون من القادة لا يلجئون إلى إلقا الأوامر بل إلى الإقناع وأفضل وسائلهم في ذلك هي القصة حيث التفاعل بين بين المشاعر والمشاهد والأصوات ومحاولة العقل التلقائية الربط بين خبراته وأحداث القصة والانسجام معها تفاعل داخلي مدهش لا تستطيع الحقائق ولا البيانات ولا الإحصاات أن تفعله بل تحسنه القصة التي يستطيع من خلالها القادة المؤثرون تسويق رغباتهم وقيمهم وأفكارهم وأحلاهمهم و إيجاد أمل ومعنى لحياة أتباعهم يقول الأمريكان
يحدثُ أن تنسلّ إلى أعماقك قصّةٌ، فتهزّك بعنفٍ وتتحدّاك أن تُعرض عنها. هذا بالضبط ما حدث لي مع قصّة العندليب. والحقيقةُ أنّي فعلتُ كلّ ما في وسعي كي لا أكتب هذه الرواية، غير أنّ بحثي في موضوع الحرب العالميّة الثانية قادني إلى حكاية الشابّة التي صنعتْ طريق الهروب من فرنسا المحتلّة، فلم أستطع الفكاك منها. هكذا أصبحتْ قصّتها نقطةَ البداية، وهي في حقيقتها قصّةُ بطولةٍ، ومخاطرةٍ، وشجاعةٍ جامحة. لم أستطع صرفَ نفسي عنها؛ فظللتُ أنقّب، وأستكشف، وأقرأ، حتّى هَدَتْني هذه القصّة إلى قصصٍ أُخرى لا تقلّ عنها إدهاشاً. كان من المستحيل أنْ أتجاهل تلك القصص. هكذا ألفيتُ نفسي تحت وطأة سؤال واحدٍ يسكنني، سؤال يظلُّ اليومَ قائماً كما كان قبل سبعين عاماً: تحتَ أيِّ ظرف يمكن أنْ أخاطر بحياتي زوجةً وأمّاً؟ والأهمّ من ذلك، تحت أيِّ ظرف يمكن أن أخاطر بحياة طفلي لأنقذ شخصاً غريباً؟ يحتلُّ هذا السؤال موضعاً رئيساً في رواية العندليب. ففي الحبّ نكتشف من نريد أن نكون؛ أمّا في الحرب، فنكتشف من نكون. ولعلّنا في بعض الأحيان لا نريد أن نعرف ما يمكن أنْ نفعله كي ننجو بحياتنا. في الحرب، كانت قصص النساء دوماً عرضةً للتجاهل والنسيان. فعادةً ما تعود النساء من ساحات المعارك إلى بيوتهنّ ولا يقلنَ شيئاً، ثمّ يمضينَ في حياتهنّ. العندليبُ إذن روايةٌ عن أولئك النساء، والخيارات الجريئة التي اتخذْنَها كي ينقذنَ أطفالهنّ، ويحافظنَ على نمط الحياة الذي اعتدْنه. كرِسْتِن هانا
لنفتح بعض الكتب القديمة العربية أو اللاتينية تلك الكتب التي لا نقرأها ومع ذلك نعارضها بغير وجه حق سنجد هناك كتابا من العصر الوسيط مهووسين لا بمحاربة الفكر ولكن بمسالته وبطرح الأسئلة حوله هم يفكرون بالفعل ويحرقون أعمارهم في التفكير يضعون الحياة حياتهم على طاولة أمامهم ويتراجعون قليلا إلى الخلف ثم يتفرسون فيها ويتسالون ونحن نفهمهم هم فقط يسعون لإدراك ماهيتهم وما هم فاعلون وما هو هذا الذي يملأهم أملا ويعيشون ويفنون من أجلهماذا يقصدون بالتفكير يقدم ديكارت جوابه الخاص بالنسبة للإنسان أنا شي يفكر أي شي يشك ويتصور ويؤكد وينكر ويريد ولا يريد أنا أيضا شي يتخيل وشي يحس لكن ماذا يقولون هم هم الذين عاشوا وقالوا كلمتهم قبله ماذا سيكون جوابهم داخل لغاتهم ما هو هذا الجواب المزعج ربما فالمتروك للنسيان ومن ثم الجديد بالنسبة إلينا هذا هو ما نبحث عنه بكل حرية وبطرق جميع الأبواب
الضائعة :
أحست بالالم وهي تتلمس ذلك الخواء العاطفي، لكنها لا تعرف الطريق للخلاص من جحيمها بعد، عندما تزوجت بابن عمها حسن،دفعتها الكراهية والحقد إلى أحضان ابن جيرانها نادر، يومها كانت تشعر بمشاعر الانتقام،والثأر لكرامتها، لكنها تبحث في بيت الزوجية الجديد عن نجاة من عزلة قاتلة، تمضي بها رويداً رويدا للإيقاع بمديرها الدكتور سامي ، في البداية كانت تفكر في الارتقاء الوظيفي، لكنها تبدو الآن غير أبهة بذلك، فكل ما تحلم به صدر رجل تلقي برأسها المتعبة عليه، رجل يوقظ مشاعر الأنوثة فيها، لقد تغيرت كثيراً مع الزمن ، تمعن النظر في المرآة التي أعادتها إلى واقعها، وكأنها خرجت للتو من فيلم سينمائي ، راحت تراقب تلك التجاعيد التي بدأت تظهر في جبهتها ورقبتها ، ابتسمت بسخرية ، قبل أن تنساب الدموع على خديها وتصرخ بصوت عالٍ أنا لا شيء، انا بلا فائدة، انا ضائعة انا ضائعة.
لا تعرف "ماري نويل" من هو والدها، ولا تعرف لماذا تخلّت أمها عنها بعد ولادتها مباشرة وتركتها في عهدة رانليز، كما لا تعرف ما الذي دفع هذه الأم لإرسال رسالة بعد عشر سنوات تطالب فيها بابنتها.
تسافر الطفلة إلى المجهول، فتعيش مع أمٍّ باردة عاطفياً، تعذّبها ذكريات الماضي. وبعد أن تكبر تذهب إلى بوسطن لتكمل دراستها، وتتزوّج من عازف جاز مبتكر، فيما سؤال "من أنا؟ ومن هي عائلتي؟"، يظلّ يطاردها في كل الأماكن التي تعيش فيها، ولذلك تسعى لفهم ما جرى قبل ولادتها، غير أن سلسلة من الأسرار المظلمة والحقائق المراوغة تكون في مواجهتها.
في هذه الرواية التي حصلت على جائزة Prix Carbet de la Caraibe، تكتب "ماريز كونديه" حكاية الحب الضائع، والأمومة غير المرغوب فيها، ملتقطةً صوت الشتات الكاريبي، برشاقة وعذوبة.